تتداول وسائل الإعلام الليبية في الفترة الأخيرة الحديث عن بنود مسودة دستور جديد للبلاد يعرف بـ"الميثاق الوطني للدولة الليبية"، سيكون في حالة إقراره الأول من نوعه منذ 39 عاما، أي منذ أن ألغت الثورة الليبية عام 1969 دستور دولة الاستقلال.
وأكد محللون سياسيون ليبيون في تصريحات خاصة لـ"إسلام أون لاين.نت" أن "الميثاق الوطني للدولة الليبية" -الذي ينتظر أن يعرض في مرحلة لاحقة على الشعب لإقراره عبر استفتاء حر مباشر- ما هو إلا إعادة تجميع للوثائق الدستورية أو "المرجعيات" الثلاثة الموجودة في ليبيا، ودمجها في ورقة واحدة يمكن أن يطلق عليها "دستور" البلاد.
وشدد الخبراء على أن العمل على الخروج بمرجعية دستورية واحدة يأتي في سياق توجه عام في ليبيا نحو "الإصلاح والتحديث" في جميع المجالات.. السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية. لكنهم أكدوا في الوقت نفسه أن كل هذه الإصلاحات تتم في النهاية داخل عباءة نظام الحكم المعمول به في البلاد حاليا.. القائم على "السلطة الشعبية المباشرة".
ونظريا، تعني هذه السلطة في المفهوم الليبي أن يلجأ الحاكم إلى الشعب مباشرة في اتخاذ أي قرار سياسي أو مصيري يتعلق بالدولة، كذلك يتم سن القوانين ووضع اللوائح الخاصة بها من خلال اللجوء إلى الشعب مباشرة من خلال اجتماعه على شكل هيئات أو لجان شعبية.
ويختلف هذا النظام عن الديمقراطية غير المباشرة الشائعة في العالم والقائمة على أساس انتخاب مجلس نيابي ممثل للشعب بجانب رئيس للسلطة التنفيذية.
ووفق التسريبات الصحفية والإعلامية التي نشرتها عدة جهات ليبية، بينها موقع "ليبيا اليوم"، فإن "الميثاق الوطني للدولة الليبية" (الدستور) يتكون من ديباجة، و165 مادة أساسية، موزعة على ثمانية فصول، وتتضمن في مجملها معظم المبادئ الموجودة بالفعل في الوثائق الثلاثة.
وتؤكد ديباجة المسودة على أن "مجتمع الليبيين مجتمع الحرية، والمساواة، وحكم القانون، والإبداع، والتألق، يتمتع فيه الجميع، دون أي تمييز، بحق الحياة، والحرية، والأمن، والطمأنينة"، كما تعلن تمسك المجتمع الليبي "بالدين الإسلامي الحنيف، ونبذ العدوان، والحرب، والاستغلال، والعبودية، والإرهاب"، وتشدد على "قيم العدالة، والتساوي أمام القانون".
القرآن شريعة المجتمع
وتنص المادة (2) من الفصل الأول: (أحكام عامة) على أن "القرآن الكريم شريعة المجتمع، والإسلام دين الدولة"، وأن "اللـغة العربيـة هـي اللـغة الرسمـية للدولـة".
وبالنسبة لنوعية نظام الحكم، فقد حددتها المادة (3): "نظام الحكم في ليبيا جماهيري، السيادة فيه للشعب، ويحظر تعطيل سلطة الشعب"، وهو ما يعد امتدادا لنظام "السلطة الشعبية المباشرة" القائم.
وعرفت المادة (5) من المسودة، الميثاق الوطني (الدستور) بأنه "هو المرجعية القانونية العليا، التي تبنى عليها التشريعات ويعد باطلا كل قانون يخالف أحكامه".
دمج الوثائق
وقال الدكتور رمضان البريكي المحلل السياسي الليبي: إن إعداد ما يسمى بـ"الميثاق الوطني للدولة الليبية".. أو ما يسميه البعض: "الدستور" مستمر منذ فترة طويلة عبر لجنة تعرف بـ"لجنة المرجعية" مهمتها الأساسية تجميع الوثائق المرجعية الثلاثة التي تخرج منها القوانين في الدولة الليبية في وثيقة واحدة.
وأوضح بالقول: "لدينا في ليبيا ثلاث وثائق مرجعية.. تمثل في مجموع ما جاء فيها ما يمكن أن نقول إنه دستور للبلاد.. الوثيقة الأولى اسمها: (إعلان قيام سلطة الشعب) الموضوعة في عام 1977، والتي حددت شكل النظام السياسي في (السلطة الشعبية المباشرة)، والقرآن الكريم هو شريعة المجتمع، والدفاع عن الوطن مسئولية كل مواطن ومواطنة".
وأردف قائلا: "الوثيقة الثانية اسمها: (الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير) الموضوعة في عام 1988 وتضم 27 مادة، أشبه بالمواد التي تنشر في الدساتير، فتنص المادة الأولى على أنه "انطلاقا من أن الديمقراطية هي الحكم الشعبي وليست التعبير الشعبي، يعلن أبناء المجتمع الجماهيري أن السلطة للشعب يمارسها مباشرة دون نيابة ولا تمثيل في المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية".
فيما تعرف الوثيقة الثالثة باسم "وثيقة الشرعية الثورية" الصادرة في مارس 1990، والتي ينص بندها الأول على "أن تكون التوجيهات التي تصدر عن قائد الثورة (معمر القذافي) ملزمة وواجبة التنفيذ"، بحسب المصدر نفسه.
وأكد الدكتور البريكي على أن "الجهود القائمة حاليا تتمثل في دمج كل المواد التي وردت في الوثائق الثلاثة الدائر الحديث عنها الآن في وثيقة واحدة، يطلق عليها البعض "الدستور الجديد" أو "الميثاق الوطني للدولة الليبية".
وشدد على أن "دمج الوثائق المرجعية الثلاث لن يخرج الدولة الليبية على نظام الحكم المعمول به في البلاد حاليا القائم على الديمقراطية المباشرة، أو السلطة الشعبية المباشرة".
مفهوم "الإصلاح الليبي"
واعتبر أن تجميع المواد الموجودة في الوثائق المرجعية الثلاثة ودمجهم في وثيقة واحدة يأتي في سياق "إصلاحات سياسية" تجرى لرفع كفاءة نظام الحكم الحالي (السلطة الشعبية المباشرة).
وشدد على أن "البعض يفسر أي حديث عن الإصلاح السياسي في ليبيا بالتخلي عن السلطة الشعبية المباشرة المطبقة فيها منذ عام 1977، وهذا خطأ كبير.. فما نقصد به من الإصلاحات السياسية داخل ليبيا هو تلافي الأخطاء التي سبق ووقعنا فيها، ومواكبة مستجدات العصر دون المساس بنظام السلطة الشعبية المباشرة".
الشكل المنشود
ويتفق الدكتور محمد أحمد خلف الله رئيس تحرير صحيفة "الزحف الأخضر" الليبية مع الدكتور البريكي في أن "العمل الجاد حول وضع دستور جديد للبلاد إنما يأتي في سياق إعادة تطوير كبيرة تجري في المجتمع الليبي بجميع إداراته لتحقق تقدم هذا المجتمع بالشكل المنشود".
وتابع قائلا: "ليبيا لا يمكن لها أن تعيش بمعزل عن العالم الذي يتسابق حولها نحو التقدم؛ ولذلك فهي تقود الآن ثورة تشريعية تضمن المضي قدما نحو التقدم المنشود، فبجانب مسودة الدستور التي يجري الحديث عنها توجد رزمة تشريعات جديدة تتم مناقشتها مرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبحرية الإعلام".
وأكد الدكتور خلف الله -المقرب من سيف الإسلام نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، والذي يوصف في الغرب بـ"رجل ليبيا القوي"- أن "كل هذه الإصلاحات الجاري العمل عليها لن تتعارض مع "السلطة الشعبية المباشرة".
ويحكم القذافي ليبيا منذ ثورة الفاتح من سبتمبر عام 1969، واستمرت ليبيا تحت حكمه تعمل بالنظام الجمهوري حتى عام 1977؛ حيث تحولت إلى "جماهيرية"، أي تعمل بنظام الديمقراطية المباشرة، وأصبح القذافي بموجب هذا التحول الذي تم بمقتضى وثيقة "إعلان قيام سلطة الشعب" "قائد الثورة الليبية"، بدلا من رئيس الجمهورية.